شبهة حول: كل بدعة ضلالة

السؤال: من المعلوم أن قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" كليَّة عامة شاملة مُسَوَّرة بأقوى أدلة الشمول والعموم وذلك بكلمة: "كل". أود من شيخنا الفاضل الرد على أحد أهل البدع الذي دفع هذا العموم بالشبه التالية: - أولا: قوله عز وجل: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:25]، ومن المعلوم بأن مساكنهم داخلة تحت عموم {تدمر كل شيء}، ولكنها لم يلحقها عموم التدمير... - ثانيا: قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ. لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 98-99] ، ومن المعلوم بأن من المعبودات الأنبياء والملائكة والصالحين... ومن هذا المنطلق ذهب إلى تحسين البدع بل ذهب إلى أبعد من ذلك فقال بالوجوب، ثم استرسل بالطعن على علماء السنة ورميهم بالجهل باللغة العربية، ومن خلال هذا لبس على العوام من الناس. ولهذا تقدمنا إلى فضيلتكم بالرد على هذه الشبهات.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
الجواب عن هذه الشبهة سهل وذلك أن يقال إن قوله عليه الصلاة والسلام:"كل بدعة ضلالة" هذا الحديث عام لم يرد عليه مخصص، وأما قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} قد خصصت هذه الآية بقوله تعالى:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فالعموم في قوله (كل) قد يرد عليه التخصيص وقد لا يرد عليه التخصيص ولم يقل أحد من أهل اللغة بأن لفظ كل عموم قطعي لا يرد عليه التخصيص وحينئذ لا يرد علينا ما استدلوا به من قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}. وحينئذ نقول الجمع بأن لفظ كل قد يرد عليه التخصيص كما في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} وقد لا يرد عليها التخصيص كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة". هذا من وجه.

والوجه الثاني: أن قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} وأيضاً قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} أن هاتين الآيتين باقيتان على العموم، وأن عدم دخول الأنبياء والملائكة والصالحين في العذاب هذا ظاهر لا يحتاج إلى تخصيص وكذلك أيضاً: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} أن هذا عام والمراد به ما أمرت به من تدميره.

والوجه الثالث: لو قلنا بأن قول النبي عليه الصلاة والسلام: "كل بدعة ضلالة" لا يدل على التحذير من البدع، فعندنا أحاديث كثيرة تدل على أن كل بدعة ضلالة من كلام الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فيكفي أن نعلم أن الأصل في العبادات أنها توقيفية وأن الله عز وجل قال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، ويقول سبحانه أيضاً: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} ويقول: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} ويقول سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} ويقول سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} وغير ذلك من الأدلة، وقد ألف العلماء رحمهم الله تعالى مؤلفات كثيرة ومشهورة متداولة في ذم البدع.