"رسالة في وجوب أداء الصلاة جماعة"

السؤال: "رسالة في وجوب أداء الصلاة جماعة"

الإجابة

الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى من تبلغه هذه النصيحة من إخواننا المسلمين أئمة المساجد والمأمومين وسواهم، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فغير خافٍ على الجميع عظم شأن الصلاة في الإسلام إذ هي عموده، بها يستقيم دين المسلم وتصلح أعماله، ويعتدل سلوكه في شئون دينه ودنياه متى أقيمت على الوجه المشروع؛ عقيدة وعبادة وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم لما لها من خاصية قال الله عنها في محكم التنزيل: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، وكما أن هذا شأنها فهي أيضاً مَطْهَرَةٌ لأدران الذنوب ماحية للخطايا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" (متفق عليه).

فحريّ بالمسلم تجاه فريضةٍ هذا شأنها أن لا يفرط فيها، كيف وهي الصلة بينه وبين ربه تعالى؟ كما أنها جديرة بالتفقه في أحكامها وغير ذلك مما شرع الله فيها، حتى يؤديها المؤمن بعناية في الخشوع والإحسان والطمأنينة ظاهراً وباطناً.

فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله" (رواه مسلم).

فعليكم معشر المسلمين بتقوى الله في أموركم عامة وفي صلاتكم خاصة، أن تقيموها محافظين عليها وحافظين لها عما يبطلها أو ينقص كمالها من تأخير لها عن أوقاتها الفاضلة من غير عذر شرعي، أو التثاقل عن أدائها جماعة في المساجد، أو الإتيان فيها بما يذهب الخشوع ويلهي القلوب عن استحضار عظمة من تقفون بين يديه تعالى، وتدبر لكلامه وذكره ومناجاته جل شأنه من نحو تشاغل في أمور خارجة عنها، أو حركات غير مشروعة فيها كالذي يحدث من البعض عبثاً من كثرة تعديل لباسه من غترة وعقال ونظر إلى الساعة أو تمسيح شعر لحيته ونحو ذلك بعد الإحرام بها.

كل هذا مما ينافي الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها وسبب قبولها أو ينقصه أو يضعفه.

وللتحذير من مثل هذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الرجل ليقوم في الصلاة ولا يكتب له منها إلا نصفها" إلى أن قال: "إلا عشرها" (رواه أبو داود بإسناد جيد).

فعلى الجميع عامة وعلى الأئمة خاصة أن يكونوا على جانب كبير من الفقه في أحكام الصلاة، وأن يكونوا قدوة حسنة في إقامة هذه الشعيرة العظيمة لأنه يقتدي بهم المأمومون ويتعلم منهم الجاهل والصغير، وربما ظنَّ البعض من العامة أن ما يفعله الإمام ولو كان خلاف السنة أنه سنة، ولاسيما بعض المسلمين الوافدين من بعض البلدان الخارجية ممن لا يعرف أحكام الصلاة على الوجه المشروع.

كما أن مما تساهل فيه بعض الأئمة وبعض المأمومين العناية بتسوية الصفوف واستقامتها والتراص فيها وهو أمر يخشى منه غضب الله سبحانه، للوعيد الوارد في ذلك.

فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" (رواه مسلم)، وفي المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" (متفق عليه).

فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على تسوية الصفوف، والحث على المحافظة على أداء الصلوات في المساجد جماعة كما درج عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان سلفاً وخلفاً، وفي ذلك الأجر العظيم من الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" (متفق عليه).

وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة" (رواه مسلم).

وإذ علم هذا فمما يجب الحذر منه ظاهرة التثاقل من البعض عن صلاة العشاء وصلاة الفجر في المساجد جماعة وهي عادة خطيرة، لأنها من صفات المنافقين لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً"، فلا عذر ولا رخصة دونما عذر شرعي لمن سمع النداء فلم يُجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"، واستأذنه رجل أعمى ليس له قائد يلازمه، هل له رخصة أن يصلي في بيته؟ قال له صلى الله عليه وسلم: "هل تسمع النداء بالصلاة؟" قال: نعم، قال: "فأجب"، وفي رواية أخرى قال: "لا أجد لك رخصة".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" (رواه مسلم).

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها دليل على وجوب حضور الجماعة حيث ينادى بالصلاة، وفي امتثال ذلك طاعة الله ورسوله وسعادة الدارين، والبعد عن مشابهة أهل النفاق وصفاتهم.

فأسال الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يرزقنا جميعاً الاستقامة على دينه، والمحافظة على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن وأدائهن بالطمأنينة والخشوع الكامل رغبة فيما عند الله، وحذراً من عذابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



مجموع فتاوى ورسائل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - المجلد الثاني عشر.