سؤال عن التمذهب أصلاً، وعن حكمه

السؤال: سؤال عن التمذهب أصلاً، وعن حكمه، وأن كثيراً من الناس يدعون إلى ترك المذهبية ويقول: "إن العلماء أصحاب المذاهب أخذوا من الكتاب والسنة فلماذا لا يرجع جميع الناس إليها"؟

الإجابة

الإجابة: إن هذه الفكرة متعذرة متعسرة في زمان المتأخرين، لأن الكتاب والسنة لا يغطيان كل المسائل بالصريح، كل ما يتجدد من الوقائع والنوازل بالصريح، بل المساحة المغطاة بالوحي من عمل المكلف والمجتهد قليلة جداً لا تصل إلى 10٪ من عمل المكلف، وإنما يغطى سائر أعمال المكلفين من الاجتهاد والاستنباط، والاجتهاد والاستنباط لا شك أنهما غير محصورين في أهل زمان ولا في أهل مكان، ولكن القواعد التي يتعامل بها مع النصوص محصورة بالعقل فلا يمكن أن يأتي اليوم إنسان ولو بلغ رتبة السابقين في العلم فيقول سآتي بقول جديد في دلالة العام، أو في دلالة المطلق، أو في الترجيح، لا يمكن أن يأتي بشيء لأن كل الاحتمالات العقلية قد حصرها السابقون، لكن يمكن فقط التلفيق وهذا الذي بقي للمتأخرين، والتلفيق لا حرج فيه أن يأخذ من هذا المذهب بالقاعدة الفلانية ومن هذا بالقاعدة الفلانية لكن لن يخرج في الغالب في الأمور العقلية عما حصروه الأمور المحصورة عقلاً، لا يمكن أن يقع فيها تجديد والمذاهب ليست هي خارجة عن الكتاب والسنة بل هي إنما تغطي المساحة التي لا تغطى بالوحي، لأنما غطي بالوحي كما ذكرنا لا يدخل في تعريف الفقه أصلاً، الفقه إنما هو الأمور التي ليس فيها نص وإنما هي اجتهادات للرجال، وهذي بالضرورة لا بد أن تقع فيها مذاهب، لكن تلك المذاهب ليس مذهب منها إجبارياً على أي إنسان إنما إذا كان الإنسان طالباً للعلم فعليه أن يختار منهما الراجح لأن العمل بالراجح واجب، لا راجح يبحث عما ترجح لديه هو ويعلم أن ترجحه لديه ليس مقتضياً لترجحه لدى كل الناس، فمجرد ترجح القول لديك أنت يقتضي زيادة أنصار هذا القول بصوت واحد، وفي المقابل يمكن أن تجد الأقوال الأخرى أصوات أخرى كثيرة كذلك إذا كان غير صالح لهذه المرحلة ولم يكن طالباً للعلم أصلاً فإن هذه المذاهب فسحة منجية له كما قال الشعراني قال: "إن للشريعة سورين: أحدهما سور العزيمة، والثاني سور الرخصة، والمذاهب كلها بين هذين السورين، فإذا وجدت مذهباً يشدد في مسألة فاعلم أنه اقترب إلى سور العزيمة، وإذا وجدت مذهباً يسهل فيها فاعلم أنه اقترب إلى سور الرخصة، وانظر إلى نفسك هل أنت من المترخصين أو من أصحاب العزائم، إذا كنت معذوراً بعذر أو صاحب ضعف فاذهب مع الذين ذهبوا إلى الرخصة، وإن كنت صاحب قوة ونعمة فاذهب إلى الذين ذهبوا إلى العزيمة".



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.