طهارة مَني الرجل

السؤال: سائل يسأل عن مَني الآدمي: هل هو طاهر، أو نجس، سواء كان الإنسان قد استنجى بالماء، أو استجمر بأحجار طاهرة، مستكملا لشروط الاستجمار الشرعي، أو كان استجماره بأحجار غير طاهرة، أو لم يستكمل ما يلزم للاستجمار الشرعي. نرجوكم إيضاح الجواب في ذلك، وبسط كلام العلماء في ذلك. أثابكم الله.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله وحده.
المشهور من المذهب أن مَني الآدمي طاهر؛ لقول عائشة: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب فيصلي فيه (أخرجه مسلم) (1). وقال ابن عباس: امسحه عنك بإذخرة أو خرقة؛ فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق (رواه سعيد، ورواه الدارقطني مرفوعا وموقوفا) (2). ولو خرج المني بعد استجمار؛ لعموم ما سبق.

قال في (الإنصاف) (3): سواء كان من احتلام، أو جماع، من رجل، أو امرأة، لا يجب فيه فرك ولا غَسل.أ.ه، وإنما يستحب فرك يابسه، وغسل رطبه استحبابا.

ومن جواب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في هذه المسألة: أما القول في طهارة المني فهو مذهب أحمد والشافعي، لكن الشافعية يشترطون كون خروجه بعد الاستنجاء بالماء، والحنابلة يقولون بطهارته ولو كان خروجه بعد الاستجمار بالحجر ونحوه، فإن لم يتقدمه استجمار شرعي ففي النفس منه شيء، ولم أر من صرح بحكمه والحالة هذه. والله أعلم. انتهى.

وقال الإمام أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الحفيد المالكي المتوفى سنة 595 ه في (بداية المجتهد) (4): اختلفوا في المني: هل هو نجس أم لا؟ فذهبت طائفة، منهم مالك وأبو حنيفة إلى أنه نجس. وذهبت طائفة إلى أنه طاهر، وبهذا قال الشافعي وأحمد وداود.
وسبب اختلافهم فيه شيئان:
. أحدهما: اضطراب الرواية في حديث عائشة؛ وذلك أن في بعضها: كنت أغسل ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المني، فيخرج إلى الصلاة، وإن فيه لبقعَ الماء (5).
وفي بعضها: أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي بعضها: فيصلي فيه. خرّج هذه الزيادة مسلم.
. والسبب الثاني: تردد المني بين أن يُشَبَّه بالأحداث الخارجة من البدن، وبين أن يشبه بخروج الفضلات الطاهرة، كاللبن وغيره.
فَمَنْ جَمَعَ الأحاديث كلها؛ بأن حمل الغَسل على باب النظافة، واستدل من الفرك على الطهارة، على أصله: في أن الفرك لا يطهر نجاسة، وقاسه على اللبن وغيره من الفضلات الشريفة لم يره نجسا. ومن رجّح حديث الغسل على الفرك وفهم منه النجاسة، وكان بالأحداث عنده أشبه منه مما ليس بحدث قال: إنه نجس؛ وكذلك أيضا من اعتقد أن النجاسة تزول بالفرك، وقال: الفرك يدل على نجاسته كما يدل الغسل، وهو مذهب أبي حنيفة.
وعلى هذا، فلا حجة لأولئك في قول عائشة رضي الله عنها: "فيصلي فيه"، بل فيه حجة لأبي حنيفة في أن النجاسة تزال بغير الماء، وهو خلاف قول المالكية. انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

___________________________________________

1 - (288) وبنحوه (290).
2 - (سنن الدارقطني) (1/ 124، 125).
3 - (1/ 340).
4 - (1/191، 192).
5 - البخاري: (229، 230، 231، 232)، ومسلم: (2899)، وغيرهما.