زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

أخونا يشكو من بخر في الفم، ويشكو أيضاً من وضعه في الصلاة، وكذلك في الحج وفي العمرة، هل يأثم إذا ذهب إلى المسجد، أو إذا طاف وسعى وهو على تلكم الحال؟

الإجابة

هذا الأمر قد يقع لبعض الناس، فالواجب عليه أن يعنى بالأسباب التي تزيله، من علاج وتعاطي الأدوية وعرض أمره على المختصين من الأطباء، لعله يبدي علاجاً يزيل عنه هذا البخر الذي قد يتأذى به من يجاوره، ومتى عجز عن ذلك ولم يتيسر له العلاج، فإن كان يضر من حوله من المصلين ويؤذيهم فله عذر في الصلاة في بيته، كما منع النبي - صلى الله عليه وسلم – من أكل ثوماً أو بصلاً أن يصلي مع الناس، وكان يخرجهم من المسجد عليه الصلاة والسلام لئلا يتأذى بهم المسلمون، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا، قال: فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم)، فالحاصل أنه إذا كان هذا البخر شديداً يتأذى به من يجاوره في المسجد؛ فإنه يعذر بترك الجماعة والصلاة في بيته، بعد أن يجتهد في العلاج وأسباب إزالته، فإذا عجز عن ذلك فهو معذور، أما الحج فلا، يحج كل أحد، فالحج يحج ولو كان فيه هذا الأمر، يحج ويعتمر وليس يلزمه أن يلاصق أحداً في هذا، وعند الزحام هو كغيره لا يضر زحامه مع الناس في الطواف أو في السعي أو في رمي الجمار، لا نرى هذا وغيره في الحج ولا في العمرة، إنما هذا في الجماعة خاصة. وبالنسبة للزيارة؟ أما الزيارة فهذه يختلف، إن كان المزور يسمح له بذلك، ولا يتأذى بزيارته لقرابته منه أو صداقته له أو أسبابٍ أخرى فلا بأس عليه، فأما إن كان المزور يتأذى به فإنه لا يزوره، لا يزوره بل يسعى في قضاء حاجته من الطرق الأخرى كالمكاتبة والهاتف وإرسال مندوبٍ منه في حاجاته التي يريد أن يباشر بها ذلك الشخص. وزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – والصلاة في المسجد النبوي الشريف؟ زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – سنة وقربة، إذا كانت زيارة القبور الأخرى سنة فمن باب أولى زيارة قبره عليه الصلاة والسلام، والصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم – سنة وقربة، ومن أجلها تشد الرحال إلى مسجده - صلى الله عليه وسلم – وإلى المسجد الحرام وإلى المسجد الأقصى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، إنما الذي يمنع في أصح قولي العلماء شد الرحال من أجل القبر وحده، أن يشد الرحل من أجل القبر لا من أجل المسجد ولا من أجلهما معاً ولكن من أجل القبر وحده فهذا هو الذي يمنع في أصح قولي العلماء، لهذا الحديث، لقوله - صلى الله عيه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، فإذا منع الرحال إلى مسجد غير هذه الثلاثة فمن باب أولى شد الرحال إلى بقعة أخرى أو إلى قبر، من باب أولى أن يمنع؛ لأن المساجد أفضل بقاع الأرض، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم –أنه قال: (خير بقاع الأرض مساجدها، وشرها أسواقها)، فإذا كانت المساجد التي هي خير بقاع الأرض لا تشد الرحال إليها للتقرب فيها إلا هذه الثلاثة المساجد فهكذا يمنع من باب أولى من شد الرحال إلى قبر من القبور، لا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – ولا غيره، أو إلى بقعةٍ يقال إنه جلس فيها رجلٌ صالح، أو صلّى فيها أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن شد الرحل إلى القبر يتخذ وسيلة إلى الغلو، ودعاء صاحب القبر والاستغاثة به، أو النذر له، أو الصلاة عند قبره أو الدعاء عنده، وهذه وسائل للشرك، الصلاة عند القبر، أو الدعاء عنده أو القراءة من وسائل الشرك، أما دعاء القبر، دعاء صاحب القبر، والاستغاثة بصاحب القبر هذا نفس الشرك، وعين الشرك الذي حرمه الله علينا - عز وجل-، فمن أجل هذا والله أعلم حرم الله شد الرحال، إلى غير الثلاثة المساجد، سداً لذرائع الشرك وحسماً لوسائله، فإذا شد الرحل ليصلي في المسجد وليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم – فلا بأس، دخلت الزيارة تبعاً، أما أن يكون شده للرحل من أجل القبر فقط فهذا هو الذي يمنع، ولكن لا أظن أن مسلماً يقصد هذا، فإن المسلم الذي يفهم الإسلام لا يقصد القبر وحده، وإنما يشد الرحل ليصلي في المسجد وليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتكون الزيارة تابعة للمسجد فلا حرج في ذلك، وأما من كان في المدينة مقيماً فهذا يشرع له أن يزور بين وقتٍ وآخر فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم – وعلى صاحبيه، كما يزور البقيع وشهداء أحد ويسلم عليهم بين وقتٍ وآخر، لقوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يعلم أصحابه - رضي الله عنهم- إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكن العافية). وفي حديث عائشة: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين). وكان إذا زار البقيع يقول: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غداً مؤجلون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)، فيدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة، زيارة القبور للدعاء لهم للترحم على الموتى ولذكر الآخرة والزهد في الدنيا، لا تزار القبور لدعاء أهلها أو الاستغاثة بهم أو الدعاء عند قبورهم أو الصلاة عندها أو القراء عندها، لا، ولكن تزار للاستغفار لهم والترحم عليهم، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ، ولذكر الآخرة، ولذكر الموت، والزهد في الدنيا، هذه هي المقاصد من زيارة القبور، لكن أهل الجهل، ولكن الغلاة يزورون القبور ليدعون الموتى، ليدعوهم من دون الله، ليستغيثوا بهم، ليطلبوهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر، أو يزوروهم من أجل البدع كالصلاة عند قبورهم يظنون أنها أجوب وأنفع وأفضل، أو الدعاء عند القبور، أو القراءة عندها وهذا أيضاً بدعة لأنه وسيلة إلى الشرك، فاليوم يصلي عندها لله، وفي يومٍ آخر قد يصلي لأهلها، قد يجعل الصلاة للميت، والسجود له، فيقع في الشرك، وهكذا الدعاء عندها وهكذا القراءة عندها، هذه بدعة، وقد تجر هذه البدعة إلى أن يقصد الميت ليدعوه من دون الله، أو يستغيث به من دون الله، أو نحو ذلك من أنواع الشرك نسأل الله السلامة. إذن زيارة أخينا هذا وإن كان في فمه بخر ليس فيها شيء من ناحية الشرع؟ نعم، هي كذلك.